سورة النور - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {الْمُحْصَناتِ} تقدم في النساء. وأجمع العلماء على أن حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياسا واستدلالا، وقد بيناه أول السورة والحمد لله. واختلف فيمن المراد بهذه الآية، فقال سعيد بن جبير: هي في رماة عائشة رضوان الله عليها خاصة.
وقال قوم: هي في عائشة وسائر أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاله ابن عباس والضحاك وغيرهما. ولا تنفع التوبة. ومن قذف غيرهن من المحصنات فقد جعل الله له توبة، لأنه قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ} إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا 160} فجعل الله لهؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة، قاله الضحاك.
وقيل: هذا الوعيد لمن أصر على القذف ولم يتب.
وقيل: نزلت في عائشة، إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة.
وقيل: إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، واختاره النحاس.
وقيل: نزلت في مشركي مكة، لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنما خرجت لتفجر.
الثانية: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ} قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة الابعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبى وأشباهه. وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله.
وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.


{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)}
قراءة العامة بالياء، واختاره أبو حاتم. وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف: {يشهد} بالياء، واختاره أبو عبيد، لان الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل، والمعنى: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان.
وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم ذلك اليوم بما تكلموا به. {وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ} أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا.


{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)}
أي حسابهم وجزاؤهم. وقرأ مجاهد: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} برفع {الْحَقُّ} على أنه نعت لله عز وجل. قال أبو عبيد: ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع، ليكون نعتا لله عز وجل، وتكون موافقة لقراءة أبى، وذلك أن جرير بن حازم قال: رأيت في مصحف أبى {يوفيهم الله الحق دينهم}. قال النحاس: وهذا الكلام من أبى عبيد غير مرضى، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم. ولا حجة أيضا فيه لأنه لو صح هذا أنه في مصحف أبى كذا جاز أن تكون القراءة: يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم، يكون {دينهم} بدلا من الحق. وعلى قراءة {دِينَهُمُ الْحَقَّ} يكون {الْحَقَّ} نعتا لدينهم، والمعنى حسن، لان الله عز وجل ذكر المسيئين وأعلم أنه يجازيهم بالحق، كما قال عز وجل: {وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17]، لان مجازاة الله عز وجل للكافر والمسيء بالحق والعدل، ومجازاته للمحسن بالإحسان والفضل. {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} اسمان من أسمائه سبحانه. وتعالى. وقد ذكرناهما في غير موضع، وخاصة في الكتاب الأسنى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8